تعرضت البنية التحتية في دول الصراعات بمنطقة الشرق الأوسط لتدمير متفاوت بين كلي وجزئي، فرض في النهاية صعوبات في تقديم الخدمات العامة لسكان بعض المناطق في هذه الدول. وفي واقع الأمر، يعد قطاع الكهرباء أحد أبرز القطاعات المتضررة من استمرار هذه الصراعات، حيث توقفت عمليات تشغيل العديد من محطات الكهرباء في دول مثل سوريا والعراق وليبيا خلال السنوات الأخيرة، وهو ما تسبب في حدوث اضطراب شديد في إنتاج الكهرباء بها.
وفي ظل التدهور السابق، ظهرت اتجاهات مختلفة تدعو إلى إحلال الطاقة الشمسية كبديل ممكن لتوفير الاحتياجات اليومية من الكهرباء، ولا سيما في ظل الإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها منطقة الشرق الأوسط لإنتاج الطاقة الشمسية. يتمثل أولها، في استغلال الحكومات للطاقة الشمسية في توليد الكهرباء على نطاق صغير الحجم في المباني العامة والمنشآت الخاصة. وينصرف ثانيها، إلى توظيف الأفراد للطاقة الشمسية في استخدامات الإضاءة وتشغيل الأجهزة الكهربائية الأخرى. فيما يتعلق ثالثها، باستخدام الطاقة الشمسية لتوفير احتياجات الكهرباء لمخيمات اللاجئين بدول الجوار مثل الأردن التي تعتبر أحد النماذج البارزة في هذا الصدد.
ورغم تنامي استخدام الطاقة الشمسية في دول الأزمات كما يتضح سابقًا، إلا أنه لا زال في واقع الأمر يتم على نطاق محدود. وعلى ما يبدو، فإن ذلك كان نتيجة لانهيار القدرات الإنتاجية التقليدية. ويبدو أن الحكومات، وفق ما كشفته بوادر مخططات إعادة تأهيل المنظومات الكهربائية بها، ستعول مجددًا في المستقبل على توليد الطاقة عبر المحطات الحرارية التقليدية، ولكن ذلك لا ينفي أنه بإمكان تلك الدول وضع الطاقة المتجددة كخيار إضافي لإعادة تأهيل منظومات الكهرباء، لا سيما في ظل الدعم الدولي لذلك الاتجاه بالمنطقة بالتزامن مع الانخفاض المستمر في التكلفة الشتغيلية لمحطات الطاقة المتجددة.
تدهور واسع:
مع استمرار الصراعات في بعض دول منطقة الشرق الأوسط، تعرضت البنية التحتية لأضرار متفاوتة ولكنها في النهاية زادت من العقبات التي تحول دون تقديم الخدمات الأساسية من الكهرباء والمياه بجانب الخدمات الصحية والتعليمية.
ويعتبر قطاع الكهرباء أحد القطاعات الرئيسية المتضررة من استمرار تلك الصراعات، حيث تسبب في انهيار شبه كلي للطاقات الإنتاجية في الدول السابقة.
ففي سوريا على سبيل المثال، انخفضت طاقة توليد الكهرباء في كافة مناطق البلاد من 9 آلاف ميجاوات في عام 2011 إلى مستوى 2500 ميجاوات، أى أنها تنتج حاليًا قرابة ربع احتياجاتها من الكهرباء فقط. كما توقفت العديد من المحطات الكهربائية الحرارية عن إنتاج الكهرباء بالكامل نتيجة التدمير، فيما انخفض أيضًا إنتاج بعض السدود الكهرومائية مثل سد تشرين، والذي كان يوفر نحو 60% من كهرباء مدينة حلب. ووفق التقديرات الرسمية، فقد تصل خسائر قطاع الكهرباء حتى الآن إلى ما يتراوح بين 1.5 مليار دولار إلى 2 مليار دولار منذ عام 2011.
أما في ليبيا، ورغم أن قطاعها الكهربائي يبدو أكثر تماسكًا من بعض الدول الأخرى، إلا أن المدن الواقعة في شرق وجنوب البلاد تواجه انقطاعًا في التيار الكهربائي لمدة قد تصل إلى 20 ساعة يوميًا وذلك نتيجة خروج بعض محطات الكهرباء هناك عن العمل باستمرار. وبحسب نائب رئيس حكومة التوافق الوطني أحمد معيتيق، فإن إنتاج الكهرباء في البلاد يغطي ما بين 70% إلى 75% من الاحتياجات الفعلية وبعجز يصل في بعض الأحيان إلى 1500 ميجاوات.
وفي إطار الحرب المستمرة ضد تنظيم "داعش" حتى الآن، تكبدت العراق خسائر كبيرة في البنية التحتية على مدار العامين الماضيين. وبحسب وزارة الكهرباء العراقية، فإن البلاد بحاجة لنحو 150 مليار دولار لإعادة إعمار المناطق المتضررة في الشمال، إلا أن منظومة الكهرباء وحدها تحتاج إلى ما يقارب 5.9 مليار دولار لإعادة تأهيلها.
بدائل مختلفة:
ونتيجة لانهيار قدرات الكهرباء كما هو موضح سابقًا، ظهرت اتجاهات تشير إلى إمكانية إحلال الطاقة الشمسية كبديل ممكن لتوفير الاحتياجات اليومية من الكهرباء، علمًا بأن منطقة الشرق الأوسط تدخل ضمن منطقة "الحزام الشمسي"، بما يؤهلها لأن تكون موقعًا مناسبًا لإنتاج الطاقة الشمسية، ويمكن تناول تلك الاتجاهات على النحو التالي:
1- توظيف حكومي: تعد الطاقة الشمسية أحد الحلول التي تبنتها بعض الأنظمة والحكومات في دول الصراعات لسد نقص إنتاج الكهرباء جزئيًا. وفي هذا الإطار، كثف النظام السوري من جهوده للاعتماد على الطاقة الشمسية كبديل في الأماكن العامة ومؤسسات الدولة، حيث تم تنفيذ عدة مشاريع في الفترة الماضية منها تركيب أنظمة كهروضوئية بطاقة تصل إلى 10 ميجاوات على أسطح المباني الحكومية.
ومن المحتمل أن تشهد التجربة السورية في استخدام الطاقة المتجددة منعطفًا جديدًا مع اتجاه النظام، بالتعاون مع القطاع الخاص، لإنتاج الكهرباء عبر محطات تعمل بالطاقة الشمسية كمحطة منطقة عدرا الصناعية بشمال شرق دمشق المنتظر تشييدها في الفترة المقبلة بطاقة تصل إلى 50 ميجاوات.
كذلك وضعت الحكومة العراقية استخدام الطاقة الشمسية على أجندة خطتها لإعادة تأهيل قطاعها الكهربائي بالمناطق الشمالية في البلاد. ومن المخطط أن تنتج العراق نحو 1000 ميجاوات في 12 موقع في محافظات وسط وجنوب وغرب البلاد بالإضافة إلى المحافظات الشمالية المتضررة مثل الأنبار وصلاح الدين.
2- استخدام فردي: بجانب الطابع النظامي لاستغلال الطاقة الشمسية، يبدو أن ثمة إقبالاً واسعًا من جانب الأفراد في مناطق الصراعات على استخدام الألواح الشمسية لتوفير الاحتياجات اليومية من الكهرباء للتعامل مع مشكلة نقص الإمدادات الحكومية، وخاصة أنها بدت مصدرًا أقل تكلفة من خيارات أخرى كالمولدات الكهربائية التي تعمل بالديزل والذي شهدت أسعاره ارتفاعًا في دول الصراعات.
3- دعم دولي: اتجهت بعض المنظمات الدولية نحو استغلال إمكانات الطاقة الشمسية بدول الصراعات بهدف توفير الكهرباء عبر عدد من الحلول. وفي ليبيا على سبيل المثال، وفرت مساندة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لها توليد الطاقة الكهربائية لقطاع واسع من المستشفيات في العاصمة طرابلس، حيث قامت بتركيب 10 ألواح شمسية على أسطح 10 مستشفيات في يناير 2017 وذلك في وقت تعاني فيه من انقطاع متكرر للتيار الكهربائي.
كما برز استغلال الألواح الشمسية لتوليد الكهرباء بمخيمات اللاجئين بدول الجوار كأحد الحلول المتاحة لتوظيف الطاقة المتجددة في فترات الصراعات. وفي هذا الصدد بات مخيم الأزرق بالأردن، منذ مايو الماضي، يعتمد بالكامل على الكهرباء المولدة بطاقة 2 ميجاوات من محطة الطاقة الشمسية التي دشنتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين لخدمة المخيم. وعلى غرار هذه التجربة أيضًا، تم توفير الإضاءة لمخيمات أخرى مثل مخيم الزعتري عبر تركيب ألواح شمسية به. ومن الممكن أن يكون نجاح هذه التجارب ملهمًا لدول الأزمات الأخرى في توليد الكهرباء في المناطق الآمنة أو مخيمات اللاجئين بها.
اعتبارات عديدة:
كما يتضح من السابق، فإن استغلال الطاقة الشمسية تنامي بشكل ملحوظ في دول الصراعات، إلا أن حكومات تلك الدول لا تزال، على ما يبدو، تضع إنتاج الطاقة الكهربائية عبر المحطات التقليدية كأولوية لديها، وهذا ما تكشفه المؤشرات الأولية لمخططات إعادة تأهيل المنظومات الكهربائية بها.
ومثالاً على ذلك، تتعاون سوريا مع إيران لإنشاء محطات طاقة كهربائية حرارية بقدرات تصل إلى 665 ميجاوات بموجب مذكرة تفاهم وقعتها معها في سبتمبر الجاري.
وبالطبع، فإن ثمة اعتبارات عديدة يمكن من خلالها تفسير أسباب عدم تركيز دول الصراعات، في المرحلة الحالية، على التوسع في إنتاج الطاقة المتجددة، ويتمثل أبرزها في ضعف خبرتها الفنية في إدارة وتشغيل محطات الطاقة المتجددة بالتوازي مع صعوبات جذب مستثمري القطاع الخاص لهذا المجال في ظل التوترات الحالية.
ومع اتجاه دول الصراعات إلى الاستقرار، على المدى الطويل، يبدو أن الإمكانات الواعدة المتوافرة لديها في توليد الطاقة الشمسية بجانب الرياح، قد تدفعها للاستثمار في حلول الطاقة المتجددة، لا سيما في ظل دعم المنظمات الدولية لذلك الاتجاه بالمنطقة بالتزامن مع الانخفاض المستمر في التكلفة الشتغيلية لمحطات الطاقة المتجددة .